النهار
الإثنين 30 ديسمبر 2024 09:55 مـ 29 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

مقالات

أسامة شرشر يكتب: ممدوح الفيشاوي

الدكتور ممدوح الفيشاوي
الدكتور ممدوح الفيشاوي

ترددت كثيرًا قبل أن أكتب في هذا الموضوع الحساس الذى هزني على المستوى الإنساني، فالكتابة هذه المرة نعىٌ للدكتور ممدوح الفيشاوي، الذى كان نبأ وفاته صادمًا لي رغم إيماني المطلق بالموت كحقيقة لا مفر منها، ولكن كان الأمل يراودني بين الحين والآخر، بأنه سيتجاوز ألم عضلة القلب وضعفه نتيجة الجلطة، إلا أن الأقدار شاءت أن يرحل عنّا خلال ساعات، فنزل خبر الوفاة عليّ زلزالا نفسيا أعادنى بالذاكرة إلى علاقة امتدت 45 عامًا.

فلم أتعامل معه كزوج أختٍ ولكن تعاملت معه كأخٍ وصديقٍ جمعتنا المواقف السياسية والمواجهة والصراحة والدفاع عن الحق أيّا كان، فلذلك التقينا في خندق حب الوطن وحب طين ورائحة سرس الليان.

وما زلت أؤمن بالحكمة القائلة أن (الحياة صديق.. والصديق حياة) لأن الصديق في كثير من المواقف يكون بدلا عن الأخ وهو يسمى بـ(الخِلّ الوفي)، فهناك تفاصيل في التفاصيل لا تعلمها أختى التى هي زوجته أو أولاده لأننا نتفق في كل الأشياء خصوصا في المواجهات السياسية.

فهذا الطبيبُ البارع الذى كان من أوائل كلية الطب، التقطه وهو طالب النائب المرحوم نصر عبدالغفور أحد أفضل نواب برلمان مصر في السبعينات، وكان الوزير النائب كمال الشاذلي أحد تلاميذ مدرسة نصر عبدالغفور السياسية والبرلمانية، فأعجب نصر عبدالغفور بذكاء وجرأة الطالب النابه الواعد ممدوح الفيشاوي، وجعله أحد المقربين منه رغم صغر سنه، بل وكان يستشيره في الكثير من المواقف السياسية في دائرة منوف وسرس الليان، إلى أن تقدم للانتخابات المرحوم عبده حمزه رحمة الله عليه، وكان من سرس الليان، فشاهدت ورأيت بنفسي والدي المرحوم محمد أنسى شرشر ينصح الدكتور ممدوح الفيشاوي، فاستجاب هذا الفتى السياسي الواعد استجابة فورية لوالدي وانضم لعبده حمزة (ابن البلد) كما يقولون في هذا التوقيت.

وكان ممدوح الفيشاوي عضوا في مجلس محلي محافظة المنوفية على مدى 5 دورات متتالية رئيسا للجنة الصحية، وكانت له مواقف واضحة مع أحمد عز في هذا التوقيت لأن لم يكن تابعا لأحد وكان مستقلا وذو إرادة منفردة ومتميزة بعد أن عاد من اليمن الحبيب وعشقه أهالى مأرب وخاصة آل عزبان في هذا التوقيت في ثمانينات القرن الماضى.. وسافر بعدها إلى السعودية وقضى فيها بعض سنوات عمره، ثم عاد إلى بلده سرس الليان بالمنوفية، ليكون مديرا عاما للإدارة الطبية، فأحدث نقلة نوعية في الإدارة، ووضع قواعد وضوابط لمستشفى سرس الليان والمراكز التابعة لها، وقام بالمتابعة اليومية والشطب على الأطباء والموظفين غير الملتزمين، أيا كانت أسماؤهم ومواقعهم إلى أن حدثت أزمة مع أحد أطباء العظام من الباجور، تدخل فيها المرحوم كمال الشاذلى وقام بنقله إرضاءً لابن دائرته، ولكن المرحوم اللواء المحترم عثمان شاهين، بعد تدخلي لديه رفض تنفيذ هذا القرار قائلا إن ممدوح الفيشاوي من أكفأ الأطباء ومديري الإدارات الطبية ويعمل للصالح العام وليس عليه أي شبهات ولن يتم نقله مهما كانت الأسباب.

وكان هذا انتصارا للحق وتأكيدا أن ممدوح الفيشاوي لم يخضع لأي ضغوطات من أي نوع، وكنت دائما داعما له لأنه كان على مستوى المسئولية والحدث، وانتصرت إرادة الحق على إرادة الباطل، وكان المرحوم كمال الشاذلى في هذا التوقيت أقوى شخصية سياسية وحزبية في مصر وأمينا للتنظيم قبل أن يكون وزيرا، وكان هذا أيضا أول صدام وخلاف واختلاف مع المرحوم كمال الشاذلي لأنني كنت مؤمنا أن الحق له درع وسيف ليس عند البشر ولكن عند أبواب السماء.

وأيضًا كان للدكتور ممدوح الفيشاوي صولات وجولات في الانتخابات أمام أبناء سرس الليان ومنوف الكرام قائلا إن أسامة شرشر هو من أفضل النواب الذين أنجبتهم دائرة منوف وسرس الليان رغم أن هذه الدائرة كانت دائرة الكبار بداية من صبري باشا أبو علم ومرورا بأحد رموز البرلمان نصر عبدالغفور ونهاية بابتلاء الدائرة بأسوء نائب أحمد عز الذي أسقطه الشعب في كل ميادين التحرير لأنه كان رمزا للفساد.

وكان ممدوح الفيشاوي من الأطباء القلائل الذين رفضوا أن يكون لهم عيادات خاصة، وكان يرى أن العيادة فيها شبهة تعارض مصالح مع وظيفته كمدير للإدارة الطبية بسرس الليان، وهذا يذكرني بموقف الدكتور أيمن الجندي أستاذ الأطفال المبتسرين، وهو في فرنسا عندما قام مدير المستشفى بوضع كل الإغراءات الوظيفية والمادية أمامه ليبقى معه، ولكنه فضل أن يعود إلى أرض الوطن، لتؤكد لنا هذه الأمثلة أن الأطباء هم جيوشنا البيضاء التى تعمل في صمت ودون إعلام أو إعلان لتؤدى أسمى مهنة في الوجود وهي شفاء المرضى بإذن الله سبحانه وتعالى الذى جعل الشفاء على أيديهم من الآلام والأمراض.. وهناك على الجانب الآخر بعض الذين يتاجرون بآلام الناس ويستنزفون ويستغلون أوجاعهم مقابل حفنة من الجنيهات وهم معروفون بالاسم في مستشفى سرس الليان.

فما جعلني أكتب عن الأخ والصديق ممدوح الفيشاوي هو أن الحياة مواقف والمواقف لها رجال وليس أشباه رجال، لأننا للأسف الشديد نعيش في زمن أشباه الرجال.

وأخيرًا فإنني أشكر كل من واسانا أو أرسل برقية تعازي من بعض كبار قادة القوات المسلحة، وسفراء العراق والكويت والجامعة العربية وبعض سفراء وزارة الخارجية وبعض الوزراء المحترمين وبعض نواب مجلس الشعب والشيوخ، وكل المسئولين على كل المستويات ليعبر عن المواساة لفقد هذا الصديق العزيز، والذى أعادني بالذاكرة والألم لفقد النائب جلال عوارة توأمي البرلماني مثلما كان ممدوح الفيشاوي توأمي الإنساني.

كما أشكر إحدى نائبات المنوفية الفضليات النائبة الدكتورة هناء سرور التى جاءت إلى البيت لتقديم واجب العزاء، والإنسان المحترم معتز أحمد حجازي المتحدث الرسمي باسم محافظة المنوفية، وكذلك النائبة شيرين عبد العزيز والنائب تامر عبدالقادر والنائب اللواء مدحت الشريف أحد رجال المخابرات الأوفياء.

وأتقدم بكل الشكر لأبناء سرس الليان الذين شاركونا الجنازة والعزاء بالآلاف، وأبناء مدينة منوف وقرى مركز منوف الكرام، ورجال إدارة الأوقاف في سرس الليان ومنوف والباجور والمديرية، وكل من واسانا في مصابنا الجلل.

وكما يقول الشاعر

(ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها ..... لكان رسول الله حيًّا وباقيًا)

شكر الله سعيكم

وحفظ الله مصر وشعبها