شواهد القبور فى جبانة أسوان تحكي تاريخ الدولة الفاطمية بمصر
يرجع تاريخ المقابر الفاطمية إلى بداية القرن الأول الهجرى ومنتصف القرن السادس الميلادى والدليل على ذلك هو العثور بها على أقدم شاهد قبر إسلامى من الحجر الرملى محفوظ حالياً بمتحف الفن الإسلامى بالقاهرة مؤرخ فى 31 هجرياً باسم عبدالرحمن الحجزى أو الحجازى، وهو ما يقودنا إلى أنه من الممكن أن يكون تاريخ الجبانة قبل هذه الفترة الزمنية، وبالتالى قد يكون دفن بالجبانة أحد من صحابة رسول الله والتابعين، ولابد أن نفرق بين الجبانة الفاطمية والقباب الفاطمية.
إذ أن تاريخ الجبانة الفاطمية يرجع إلى أنه عندما فتح العرب مصر وتم إرسالهم لتأمين حدود مصر الجنوبية عند ثغر «حدود» أسوان لصد هجمات قبائل النوبة المسيحية قبل دخولها الإسلام وقعت معارك شديدة من الطرفين فى هذه البقعة ودفن الشهداء فى هذه المنطقة وتوالى الدفن بعد ذلك».
وتعد الجبانة الفاطمية بأسوان أحد الشواهد على حقبة تاريخية مهمة للتاريخ الإسلامى تبوح بها مشاهد مقابر الجبانة على أرض البقيع الأسوانى الذى يعتبر البقيع الثانى بعد بقيع المدينة المنورة لما تحويه الجبانة من رفات أجساد الصحابة والتابعين والأولياء والتى يؤكدها اكتشاف أقدم شاهد قبر بالجبانة فى عام 31 هجرياً، وتمثل قباب مقابر الجبانة طرازاً معمارياً فريداً يجسد عظمة العمارة الإسلامية، ولا يتوقف الأمر عند ذلك، حيث تحتوى الجبانة الفاطمية أيضاً على مقامات رمزية لآل البيت وأولياء الله الصالحين.
والجبانة الإسلامية أو الفاطمية كانت تمتد من منطقة العنانى بمنطقة النفق بمدينة أسوان وكانت متصلة وممتدة جنوباً حتى طريق الخزان وعندما تم شق الطرق والشوارع نتيجة التوسع العمرانى والزحام والتكدس أصبحت منقسمة إلى الجبانة البحرية بمنطقة العنانى وأخرى قبلية بطريق الخزان ومن المحتمل أن يكون من بين رفاة الجبانة رفاة الصحابة لذلك يطلق عليها العوام جبانة الصالحين أو الجبانة المباركة أو الطيبة وتوارث العوام أنها جبانة الصحابة والأولياء لكننا نستطيع أن نجزم بأنها البقيع الثانى بعد بقيع المدينة لأنها مؤرخة فى 31 هجرياً، وتيمناً ومجازاً يطلق العوام أسماء الصحابة والتابعين وأولياء الله الصالحين وآل البيت على مقابر الجبانة مثل قبة الحسن والحسين، ومقام السيدة زينب، ومقام بلال بن رباح وعمر بن الخطاب والسيد البدوى وسيدى إبراهيم الدسوقى وقاضى الشريعة، وأسماء كثيرة لآل البيت والصحابة والتابعين وحتى الآن موجودة وتُزار فى المناسبات والأفراح والأعياد تبركاً وتيمناً بهم».
وقدأطلق على الجبانة الإسلامية الفاطمية (القباب الفاطمية) لكثرة القباب التى بنيت بها والتى تعود إلى العصر الفاطمى فى فتراته المختلفة، وانتشرت القباب الفاطمية وهى مقامة على المذهب الشيعى بوضع القباب فوق قبور موتاهم حسب المذهب الشيعى وتعتبر القباب الفاطمية ذات عناصر معمارية مميزة وأرض خصبة للباحثين والدارسين والمهتمين بشؤون العمارة والفن الإسلامى لما اشتملت عليه القباب من عناصر معمارية متميزة من حيث العقود المتنوعة والأبواب المحورية ومراحل الانتقال المختلفة وتنوع شكل القبة، الأمر الذى يقودنا إلى الحديث عن براعة المعمارى والفنان المسلم الذى تفوق على نفسه وأبدع عندما خالف قواعد العمارة المألوفة فى تشييد القبة رقم 6».
من المعروف معمارياً أنه عند تشييد القبة لابد أن يرتفع ببناء مربع الشكل ترتفع فيه الجدران حتى نهاية التربيع السفلى وكى ينتقل من الشكل المربع إلى الشكل المثمن يصنع طاقية القبة أو خوذة، ولكن نجد أن المعمارى بعد نهاية التربيع السفلى مباشرة قام بحرفية وإبداع بوضع خوذة القبة دون الحاجة للتسلسل المثمن أو مرحلة الانتقال النموذجى الوحيد فى العالم هذا نموذج فريد من نوعه فى العمارة وهناك ظاهرة فريدة فى العمارة الإسلامية بوجه عام لا تشاهدها إلا فى تونس وهى ما تسمى ظاهرة القرون، وهى واضحة فى القباب الفاطمية بأسوان عن طريق تقاعر أضلع مثمن القبة من الخارج والارتفاع لأعلى عند تقابل ضلعين مشكلاً شكلاً يشبه القرون».
الجبانة الفاطمية من أقدم الجبانات الإسلامية الموجودة فى العالم الإسلامى بما تحويه من قبور وقباب تعود إبان الفترة الأولى من فتح مصر وترجع أهميتها لما تشتهر به من قباب والتى بنيت معظمها فى العصر الفاطمى ودرسها مجموعة من العلماء مثل العالم مونوريه دى سيلارد الإيطالى، وكيريزويل والدكتور فريد شافعى أستاذ العمارة الإسلامية، وأرّخوا مجموعة من القباب الموجودة فى الجبانة، وفى 2006 قامت البعثة الألمانية برفعها على خريطة وترميم أجزاء فيها استمرت 8 سنوات من 2006 إلى 2014 وأطلق العامة على بعض المقابر مسميات بعض الصحابة والأولياء الصالحين كجزء من العقيدة الصوفية.
وبيان الشواهد كلاتى :
الأشراف وينسبون إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وكانت في معظم الأحيان يسبق اسم المتوفى على شاهد القبر لقب الشريف أو الشريفة، ومنها شاهد باسم الشريفة رقية ابنة معلا بن علي بن الحسن بن إبراهيم بن الحسن بن الحسين بن عبدالله بن أحمد بن محمد بن اسماعيل بن محمد بن عبدلله الباهر بن على زين العابدين بن السبط الشهيد الحسين بن الإمام الوصي علي بن أبي طالب المتوفاة سنة 495هـ.
وشاهد باسم الشريف أبي الحسن محمد بن حيدرة بن الحسين بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن عبدالله الباهر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبى طالب المتوفى سنة 532هـ، وشاهد باسم آمنة ابنة الحسين بن الحسن بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن عبدالله الباهر بن الإمام السجاد زين العابدين علي بن الإمام السبط الشهيد الحسين بن الإمام الوصي أمير المؤمنين علي بن أبى طالب المتوفى سنة 484هـ. ومن أبناء الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما شاهد باسم محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة 315هـ، ومن أبناء محمد ابن الحنفية بن علي بن أبي طالب شاهد باسم زينب ابنة علي بن عيسى بن عبدالله بن جعفر بن عبدالله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبى طالب"
ومن القبائل العربية التي تتواجد شواهد قبورها، كما يقول محمد، قبيلة المعافر التي تنسب إلى يعفر بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان، وقد تم العثور على شاهد قبر فى جبانة أسوان مؤرخ بشهر رمضان سنة 264 باسم فاطمة ابنة المبارك بن أبي سلمة المعافري.
وقبيلة بني زهرة التي تنسب إلى زهرة بن كلاب بن مرة ومن أشهر أفرادها أم الرسول صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب، وأيضًا سعد بن أبي وقاس وعبد الرحمن بن عوف، وهما من العشرة المبشرين بالجنة. وقد تم العثور في جبانة أسوان على شواهد قبور لأفراد من هذه القبيلة ومنها شاهد قبر باسم خديجة ابنة حسين بن مسكين مولا أمية بن ميمون بن يحيى بن مسلم بن الأشج الزهري المتوفاة فى شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين ومائتين.
وشاهد قبر باسم أم الوليد بن حجاج مولا أمية بن ميمون بن يحيى بن مسلم بن الأشج الزهري المتوفى سنة 255 هـ. وشاهد قبر باسم سهر فتى محمد بن أمية بن ميمون بن يحيى بن مسلم بن الأشج الزهري المتوفى سنة 247هـ . وشاهد قبر باسم أم إبراهيم ابنة عبد الرحمن بن موسى بن يونس الزهري، المتوفاة سنة 249هـ
وكذلك تضم شاهد من قبيلة قيس، "وهو الفرع الوحيد الذي تفرع من قبيلة مضر، وقد عثر في جبانة أسوان على شواهد قبور لأفراد من هذه القبيلة ومن قبيلة ثقيف، فقد عثر على شاهد قبر بجبانة أسوان باسم عباس بن عبدالله مولى عبدالرحمن بن الحسين بن محمد بن عبدالله بن سعيد بن نزار الثقفي الكوفي، توفي سنة 227هـ. وقبيلة كنانة نسبة إلى كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن عدنان، ومن شواهد القبور التي تنسب إلى أفراد من هذه القبيلة في أسوان شاهد باسم علي بن أحمد بن حسنان الكناني المتوفى سنة 396هـ.
و هناك شواهد بأسماء أفراد من بني أمية، وهم بطن من بطون قريش وكانت لهم الخلافة بعد عهد الراشدين استمرت مائة واثنين وثلاثين سنة؛ "فهناك شاهد باسم محمد بن حبور بن حفص الأموي المتوفى سنة 254هـ. أما عن الجعافرة وينحدرون من جعفر الطيار بن أبي طالب، ومن شواهد القبور التي عثر عليها في جبانة أسوان لهم شاهد باسم علي بن حسن بن جعفر بن الحسن بن محمد بن يسين الجعفري المتوفى يوم الأربعاء لعشر ليال خلت من ذي الحجة سنة 384هـ. وشاهد باسم إبراهيم بن محمد بن يحيى بن إبراهيم بن محمد بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبالله بن جعفر بن أبي طالب، توفي سنة 385هـ".
كما توجد شواهد قبور من جبانة أسوان تذكر فيها اسم البلد أو المدينة التى ينتمي إليها المتوفى ومنها: المكي نسبة إلى مكة المكرمة، وتوجد مجموعة شواهد تذكر مكيين من جبانة أسوان منها شاهد باسم عبدالله بن محمد بن عبدالله المكي المتوفى سنة 247هـ، وشاهد باسم أبي الحسن بن أحمد بن أحمد المكي المتوفى سنة 200هـ. النوبي نسبة إلى بلاد النوبة ومنها شاهد قبر باسم الطاهرة ابنة هرون مولى النوبي المتوفاة سنة 335هـ. وكذلك المغربي نسبة إلى بلاد المغرب العربي ومنها شاهد قبر باسم حمدونه ابنة ريان المغربى المتوفاة سنة 248هـ وغيرها من الشواهد.
ومن أهم شواهد قبور أسوان التي تذكر بني الكنز شاهد قبر عثر عليه عبد الرحمن عبد التواب في حفائره بجبانة أسوان ويعود إلى سنة 419 هـ باسم كريمة ابنة أحمد المعروف بقسطنطين مولى هبة الله بن محمد بن علي بن محمد بن أي يزيد الحنفي. واسم هبة الله هو أبو المكارم هبة الله الذى كان قد منحه الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي لقب كنز الدولة بعد القبض على الثائر أبو ركوة الأموي.
ونلاحظ أن أسماء أمراء الكنوز على الشواهد الثلاثة تنتهي باسم الحنفي نسبة إلى بني حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن جديلة بن أسد أحد ولدي ربيعة.