في اعقاب زيارة الفريق البرهان لمصر
هل تدخل القاهرة على خط الأزمة السودانية؟
القاهرة بيت العرب ومقصد كل الناطقين بالضاد من المحيط الي الخليج القاهرة التي تحتضن قرابة الملايين العشر من اللاجئين ومنها استبعد مراقبون أن تقدم القاهرة دعما عسكريا لرئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان الذي يزور مصر حاليا، بينما رأى آخرون أن البرهان يأمل من القاهرة أن تلقي بثقلها على خط الأزمة بعد شهور من النأي بنفسها عن الصراع ويراهن البرهان على مصر كحليف تقليدي للخرطوم للحصول على دعم، بحسب مراقبين، لحسم الصراع مع قوات الدعم السريع، بينما يعتقد محللون أن القاهرة "لن تتجاوز لعب دور دبلوماسي لتحقيق تسوية سياسية تنهي الأزمة الحالية".
ومما يعزز الاعتقاد بتعويل البرهان على دعم عسكري أو حتى تدخل مباشر لحسم الصراع مع قوات الدعم السريع صعوبة قبول الأخيرة بوساطة القاهرة المعروفة بـ "انحيازها" للجيش السوداني، و"موقفها الرافض" لاضطلاع الدعم السريع بأي دور في مستقبل السودان، وهو ما قد يراهن عليه البرهان لتأمين دعم عسكري لحسم المعركة، وهو سيناريو يبدو صعبا طبقا لوجهة نظر مراقبين في القاهرة.
وتقول مصادر دبلوماسية إن زيارة البرهان تهدف لإطلاع القيادة المصرية على مجمل التطورات، ووجهة نظر الجيش السوداني ومجلس السيادة من المبادرات ومقترحات التسوية، فضلا عن إمكانية طلب الدعم من القاهرة والرياض لحسم المعركة مع قوات الدعم السريع، لعواقبها الوخيمة على دول الجوار.
يرى السفير رخا أحمد حسن مساعد وزير الخارجية المصري سابقا أنه إذا كان البرهان سيطلب الدعم من مصر للحسم العسكري وفق ما رددته مصادر، فمن الصعب على القاهرة الموافقة على التدخل العسكري وذلك لتداعيات هذا التدخل على وحدة واستقرار السودان، فضلا عن أن انحياز القاهرة عسكريا لأحد الأطراف قد يدفع دول الجوار لدعم الطرف الآخر وتحويل البلاد إلى ساحة حرب بالوكالة تقود السودان لسيناريو كارثي وهو ما ترفضه مصر جملة وتفصيلا.
واضاف حسن "أما إذا كان البرهان يطلب وساطة القاهرة من أجل مفاوضات حول سبل تحقيق تسوية دبلوماسية، فإنه سيتوجب عليه خلال الزيارة الإجابة عن تساؤلات حول رؤيته للبحث عن التسوية، ومدى إمكانية تغليب لغة الحوار لدى كل الأطراف، في ظل وجود مقترحات دولية، منها الخروج الآمن لقيادة الدعم السريع، ودمج مقاتليه في الجيش، وتسليم السلطة لحكومة مدنية تمهد لإجراء الانتخابات.
وبحسب السفير رخا فإن لكل سيناريو متطلباته، والبرهان بدوره سيسعى للتركيز على ما يمكن أن تقدمه القاهرة لمؤسسات السودان الوطنية والسيادية، فضلا عن مدى إمكانية قيامها بتنسيق موقف قوي إقليمي لوقف ما يجري في السودان.
وتأتي زيارة البرهان للقاهرة متزامنة مع جهود مصرية لإعادة ملف الصراع في السودان لصدارة المشهد مجددا، وفق رخا، لاسيما أن قنوات الحوار تبدو متوقفة بشكل رسمي منذ فشل المبادرة الأميركية السعودية في حل الأزمة، باعتبار أن الساحة مهيأة حاليا خاصة بعد تدهور الأوضاع في السودان.
ومن جانبه رأى حسن أن مصر لديها الكثير مما تقدمه للسودان والبرهان، سواء عبر دعم سياسي لمؤسسات البلاد الوطنية، أو دعم عسكري كبير لو أرادت الانخراط في الصراع، وهو ما لا ترغب فيه القاهرة لتداعياته الكارثية على الوضع في السودان، ومصالح مصر العليا فيه و أن مصر ورغم الصعوبات الشديدة تستطيع دعم البرهان كقائد للجيش السوداني في أي تسوية سياسية، في ظل ارتباطها بعلاقات وثيقة مع كافة الأطراف المؤثرة في السودان ودول الجوار، وتستطيع عبر نفوذها لدى الفرقاء السودانيين حشد دعمها لتسوية مقترحة لحل الأزمة.
ولم يستبعد أن تأتي زيارة البرهان للقاهرة استكمالا لجهود مصرية مع دول الجوار وأطراف فاعلة بالسودان، قد يكون من بينها الدعم السريع، كما تتحدث أطراف عن انخراطه في حوار سري، انطلاقا من القاهرة، التي تحاول منذ فترة الوقوف على خط واحد من الفرقاء السودانيين.
وشدد المتحدث على أن القاهرة تملك أوراقا للقيام بوساطة في السودان، فالجميع يعلم أنها ليس لديها أجندة تضر بالسودان، وليست منحازة لطرف دون الآخر، كما تهدف بعض دول الجوار السوداني.
زيارة البرهان للقاهرة تأتي أيضا حلقة ضمن جهود التسوية، التي بدأت بقمة دول الجوار بالقاهرة، واجتماع وزراء خارجية نفس المجموعة بالعاصمة التشادية والتي سعت خلالها القاهرة لبلورة تسوية سياسية للأزمة تحظى بدعم دول الجوار، وتؤمن حلا يحفظ وحدة السودان واستقراره.
وفي هذا السياق اعرب السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية المصري سابقا عن أن اعتقاده بأن القاهرة ستسعى لاستكمال الجهود المصرية وتطبيق مقررات قمة دول الجوار السوداني، التي استضافتها القاهرة، وفي مقدمتها وقف الاقتتال الداخلي والانتقال لعملية سياسية وتسوية توقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة مدنية انتقالية وأن زيارة البرهان للقاهرة في أول جولة خارجية له منذ بدء المواجهات بالسودان، ستشهد مناقشات عميقة بين الجانبين، مع استعداد القاهرة للوساطة بين طرفي الصراع انطلاقا من كونها معنية باستقرار السودان، وليست منحازة لأي طرف و أن القاهرة وجهت رسالة واضحة -لكافة الفرقاء السودانيين ودول الجوار- مفادها أن استمرار الصراع في السودان بشكله الحالي غير مقبول جملة وتفصيلا، وهي الرسالة التي لاقت ترحيبا من جميع الأطراف.
ورجح المتحدث أن تعمل القاهرة على تغليب جهود التسوية الدبلوماسية للأزمة، عبر تنفيذ مقررات قمة دول الجوار التي حالت التطورات المتسارعة في السودان دون ترجمتها على أرض الواقع ولفت إلى أن لدى القاهرة أوراقا عديدة في المشهد السوداني، منها ثقلها التاريخي، وعلاقاتها الوثيقة مع جميع ألوان الطيف السوداني، مذكرا بأنها دعمت جميع الجهود للتسوية، بما فيها المبادرة السعودية الأميركية، وجهود الأمم المتحدة.