النهار
الأحد 23 فبراير 2025 05:06 صـ 25 شعبان 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

اقتصاد

«الطريق لحصار الكاش».. هل تنجح التكنولوجيا في ضبط الأسواق وتحويلها لمدفوعات إلكترونية كاملة؟

لا يزال الاقتصاد المصري يواجه صدمات متتالية جراء العديد من الأزمات الخارجية العاصفة، بداية من أزمة جائحة كورونا وانعكاساتها الاقتصادية المختلفة، مرورًا بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية العنيفة على مختلف القطاعات الاقتصادية، وصولاً إلى الحرب في غزة، فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية وأزمة نقص العملة التي تعاني منها السوق المصرية نتيجة للأزمات المذكورة.

وفي ظل هذه التداعيات التي فرضتها الأوضاع الإقليمية والعالمية على الاقتصاد المحلي، جاءت تأكيدات العديد من الخبراء على ضرورة الرقمنة الكاملة للمعاملات المالية وإلغاء التعامل النقدي “الكاش” في أقرب وقت وفقا لأليات علمية، لضبط آليات السوق وحركة الأموال في ظل اتساع دوائر السوق السوداء للعملة والبضائع واضطراب العديد من الأسواق نتيجة حركة الأموال خارج القطاع المصرفي.

تأتي هذه التأكيدات في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد من شح العملة الأجنبية، بسبب انتشار السوق السوداء، والتي ساهمت بدورها في تراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج -أحد أهم موارد النقد الاجنبي لمصر- بنسبة 30.8% خلال العام المالي الماضي، لتصل إلى 22.1 مليار دولار، مقابل 31.9 مليار دولار في العام المالي السابق ، كما انخفضت التحويلات الرسمية المصرية خلال الربع الأول من العام المالي 2024/2023 بنسبة 2%، لتصل إلى 4.523 مليار دولار، مقابل 4.616 مليار دولار خلال الربع الأخير من العام المالي الماضي.

دعوات الرقمنة الكاملة للمعاملات المالية جاءت بالتوزاي أيضا مع إصدار مجلس الوزراء “ملامحَ التوجهاتِ الاستراتيجية للاقتصادِ المصري خلال الفترةِ 2024- 2030″، والتي تشير إلى سعى البنك المركزي المصري إلى تطوير القطاع المالي المصري واستغلال الفرص التي يتيحها التحول الرقمي لرفع نسبة الشمول المالي إلى 100% بحلول 2030 ممثلة في الخدمات المالية ونظم الدفع الرقمي، وتخطيط مصر لرفع عدد المحافظ المالية الرقمية إلى نحو 80 مليون محفظة رقمية بحلول 2030 لدعم النمو الاقتصادي الاحتوائي، مقابل نحو 36 مليون محفظة بنهاية سبتمبر الماضي.

تكلفة الكاش

حديث الخبراء يشير إلى أن تكلفة «الكاش» كبيرة جدًا على القطاع البنكي بشكل كامل مقارنة بالتعامل الرقمى بين المواطنين والمؤسسات، إلى جانب أن التعامل بالنقد خارج القطاع المصرفى يعد أرضاً خصبة للكثير من الأعمال غير المشروعة من غسيل الأموال وتجارة المخدرات والسلاح، مشيرين إلى أن التحول الرقمى يساعد الحكومة على مراقبة حركة الأموال حيث تصل نسبة التعامل بالكاش إلى 70 % وهو مايقل كثيرا مقارنة بالدول المتقدمة التي يصل فيها نسبة التعامل بالكاش إلى نسب تقل عن 25%.

ونفذ البنك المركزي المصري العديد من السياسات والمبادرات التي تعزز من هذا التوجه خلال الفترة الماضية عبر إقرار سياسات تدعم إصدار البطاقات الإئتمانية للعديد من الفئات وأبرزها بطاقة ميزة ، والتشجيع على سداد المدفوعات عبر الأجهزة المحمولة، وتنفيذ قابلية التشغيل البيني بين الأموال المتنقلة، وإصدار قانون تحفيز التمويل الرقمي والمعاملات المطورة ، إلى جانب إصدار تراخيص البنوك الرقمية، بالإضافة إلى إطلاق تطبيق انستاباي للتحويل اللحظي للأموال.

هذه التحركات، أصبحت تمثل لغة تفاؤل لدى العديد من المحللين والخبراء، بقدرة الدولة على استكمال المنظومة والتوجه الشامل نحو الرقمنة المالية الكاملة أو الوصول لنسب الدول الكبرى في تعاملات الكاش

قال أحمد شوقي، الخبير الاقتصادي عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والإحصاء، إن السبب الرئيسي في تراجع التحويلات الرسمية هو انخفاض تحويلات المصريين العاملين في الخارج، واتجاهها للسوق الموازية بدلاً من السوق الرسمية، وذلك لوجود فجوة سعرية في أسعار العملات الأجنبية بين السوق الموازية والسوق الرسمية، وبالتزامن مع هذا التراجع، ارتفع حجم المعروض النقدي في السوق المصرية، بنحو 595 مليار جنيه خلال أول 11 شهرًا من 2023، ليرتفع إلى 2.3 تريليون جنيه بنهاية نوفمبر الماضي، مقابل 1.7 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2022، بنسبة نمو 35.3%، وفقًا لأحدث بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري.

تابع “يعرف المعروض النقدي بأنه إجمالي الأموال المتداولة عبر الاقتصاد ويشمل ذلك النقد المادي المتداول (الورقي والمعدني) والأرصدة البنكية مثل الحسابات الجارية وحسابات التوفير والأشكال الأخرى من أشكال السيولة النقدية في حين أن حجم السيولة المحلية في السوق قفزت إلى 8.7 تريليون جنيه بنهاية نوفمبر 2023، مقابل نحو 7.4 تريليون جنيه في نهاية 2022، بزيادة 1.38 تريليون جنيه خلال 11 شهرًا، بنمو 18.6%، مما يعني أن السيولة المحلية نمت بمعدل أقل من المعروض النقدي.

اعتماد التقنيات الرقمية

وكان البنك الدولي، أشار في تقرير له إلى أن اعتماد التقنيات الرقمية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من شأنه أن يحقق منافع اجتماعية واقتصادية هائلة تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات سنوياً، وطفرة تشتد الحاجة إليها في الوظائف الجديدة.

ويؤكد التقرير أن اعتماد التكنولوجيا الرقمية يؤدي إلى تسريع وتيرة النمو وخلق فرص العمل، وأن الاستخدام واسع النطاق للخدمات الرقمية، مثل خدمات الهاتف المحمول والمدفوعات الرقمية، من شأنه أن يعزز النمو الاقتصادي، كما أن أحد الأسباب الرئيسية لتعزيز النمو يرجع إلى أن التقنيات الرقمية تساعد على خفض التكلفة المرتفعة للمعلومات والتي تقيد المعاملات الاقتصادية، وأن هذه التكلفة تتراجع عندما يستخدم المزيد من المواطنين هذه التقنيات.

وكشف التقرير، أن الرقمنة الكاملة للاقتصاد يمكن أن ترفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة لا تقل عن 46% على مدى 30 عاماً، أو من حيث القيمة الدولارية لمكاسب طويلة الأجل لا تقل عن 1.6 تريليون دولار.

تحركات البنك المركزي

يأتي هذا في ظل مستهدفات رقمية طموحة للدولة المصرية، وطفرة كبيرة شهدتها سوق المدفوعات الإلكترونية في مصر خلال السنوات الأخيرة، بقيادة البنك المركزى المصرى الذي قاد ثورة التحول الرقمى في القطاع المصرفى بشكل خاص، وفى سوق الدفع الرقمى بشكل عام.

رحلة بدأت منذ عام 2014 مع إطلاق المركزى إستراتيجية المدفوعات الرقمية، ومتوقع أن تستمر لسنوات طويلة في عالم أصبح سريع التطور والتغير بفعل التكنولوجيا المتقدمة والابتكارات المتعاقبة، ما دفع البنك إلى التركيز على عملية التحول للاقتصاد الرقمى وتعزيز الشمول المالى.

«المركزى» نجح منذ البداية في العمل على تهيئة البنية التحتية التكنولوجية والتشريعية للبنوك ومقدمى خدمات الدفع، عبر تخصيصه بابًا كاملًا في قانون البنوك الجديد الذي صدر رسميًا سبتمبر 2020، لخلق بيئة عمل مناسبة لهذه الكيانات.

عام 2023 شهد إصدار العديد من الضوابط الخاصة بعملية التحول الرقمي، إذ أعلن البنك المركزى اعتماد القواعد المنظمة لخدمات ترميز بطاقات الدفع على تطبيقات الأجهزة الإلكترونية، بما يتيح إجراء معاملات الدفع اللا تلامسية باستخدام التطبيقات عبر هذه الأجهزة.

كما أعلن «المركزى» أيضًا عن تدشين شركة الهوية المالية الرقمية، وإضافة خدمات جديدة لأول مرة على شبكة المدفوعات اللحظية وتطبيق «إنستا باى»، إضافة إلى إصدار قواعد ترخيص البنوك الرقمية والرقابة والإشراف عليها، بما يمهد لمرحلة جديدة من التحول الرقمى.

واستمرارًا لهذه الجهود، تعتزم الدولة إطلاق عملة رقمية صادرة عن البنك المركزي المصري ممثلة في الجنيه الرقمي بحلول 2030 لتعزيز تنافسية العملة الوطنية وزيادة كفاءة السياسة النقدية، والعمل على استغلال الفرص التي يتيحها التحول الرقمي على صعيد مواصلة تطوير القطاع المالي المصري وزيادة مستويات كفاءة السياسة النقدية.