الخميس 2 مايو 2024 05:40 صـ 23 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

المرأة والبيت

لماذا تتنازل السيدات عن البلاغات المقدمة ضد الرجال الذين يتعرضون لهن بالعنف؟

تتعدد أشكال العنف ضد النساء، بين البدني/ الجسدي والجنسي، وتندرج تحت هذه التصنيفات العديد من الأفعال، مثل (القتل، والضرب بأشكاله، والحبس، والختان، والتحرش، والاغتصاب) وغيرها.

ويمكن أن يقع الاعتداء من أحد رجال الأسرة، مثل الأب أو الأخ أو الزوج، أو غيرهم من أفراد العائلة ذات السلطة على الضحية، وربما أيضا شخص لا تعرفه، لكن في حالة التعرض لهذا العنف من دائرة الأسرة، "هل يصعب على النساء اتخاذ مسار قانوني لمقاضاة الفاعل؟".

كثير من الأسئلة تطرحها الحالات التي نقرأ أو نسمع عنها في محيطنا الخاص أو العام، وعن تراجع البعض عن حقهن القانوني في حالة وقوع العنف من الشريك أو أحد أفراد الأسرة، ومع هذا تستمر القوانين المصرية مؤخرا في تغليظ العقوبات المرتبطة بالعنف ضد المرأة، على أمل أن تحد هذه الإجراءات من ارتفاع نسب العنف القائم في المجتمع، لكن هل يحدث ذلك؟

ترصد المؤسسات الرسمية المصرية وجمعيات المجتمع المدني، الكثير من جرائم العنف سنويا، من خلال حالات مسح شامل أو رصد على عينات معينة، ويلاحظ المتخصصون منها أن الجرائم في حالة تزايد، وتتنوع من الأقصى إلى الأدنى.

على سبيل المثال، تشير نتائج استطلاع الرأي للمركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة"، بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة خلال الفترة (4 -14) أبريل 2020، إلى أن العنف بين أفراد الأسرة (جسدي بين الزوجين) قد زاد بنسبة 19% عام 2020 فقط، بالإضافة إلى تأثير جائحة كورونا على تعرض الزوجات لعنف من ناحية الزوج، حيث تعرضت 4% من النساء للعنف من الشريك.

وتشير نتائج استطلاع رأي مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، بشأن مكانة المرأة في المجتمع المصري خلال الفترة من 6 وحتى 17 فبراير 2020، إلى أن 26.4% من الذكور يوافقون على تحمل المرأة الضرب والتغاضي عنه لصالح البيت، مقابل 71.2% من الذكور يرفضون، بينما عارضت 77.2% من النساء تحمل المرأة الضرب والتغاضي عنه لصالح البيت، مقابل موافقة 22% من النساء.

وفي عام 2015، أجرى مكتب صندوق الأمم المتحدة في مصر، دراسة لتقدير تكلفة وشكل العنف الأسري في مصر، بالشراكة مع المجلس القومي للمرأة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وتوصلت في ذلك الوقت للنتائج التالية:

تكلفة العنف.. ماذا يحدث للضحايا؟

يغادر سنويا ما يقرب من مليون امرأة المنزل بسبب العنف الأسري، وتبلغ تكلفة السكن البديل/ المأوى للنساء اللاتي يغادرن المنزل بسبب العنف الأسري نحو 585 مليون جنيه سنويا، والمعرضات للعنف أكثر عرضة للإجهاض ممن لم يتعرضن للعنف (40.1% مقارنة بـ36.6%)، وأكثر عرضة لإنجاب طفل يعاني نقص الوزن (7.3% مقارنة بـ5.3%).

وتتعرض سنويا ما يقرب من 200 ألف امرأة لمضاعفات مرتبطة بالحمل بسبب عنف الزوج، حيث أفادت نحو 4.7% من النساء بأن أزواجهن حرموهن من العمل طوال حياتهن، ويتغيب أطفال 113 ألف أسرة عن المدرسة سنويا بسبب العنف الأسري الذي يمارسه الزوج؛ مما يؤدي إلى خسارة نحو 90 ألف يوم دراسي سنويا، وعانى أطفال 300 ألف أسرة من كوابيس وخوف بسبب العنف الذي ارتكبه الزوج خلال عام 2014.

وينتج عن ذلك استمرار وجود فجوة تعليمية، حيث يشير مركز المعلومات ودعم القرار المصري التابع لمجلس الوزراء، عبر موقعه الرسمي، إلى أنه على الرغم من التحسن الملحوظ في السنوات الأخيرة في معدلات محو الأمية لدى الإناث، ومعدلات الالتحاق بالتعليم، والمشاركة في القوى العاملة، وتقدم مصر 5 مراكز في مؤشر الفجوة بين الجنسين في عام 2021، فإنها حصلت على المركز 129 من بين 156 دولة، مقارنة بالمركز 134 من بين 153 دولة عام 2020، ولا تزال هناك فجوة بين الجنسين لصالح الذكور، فالأمية بين النساء هي تقريبًا ضعف ما بين الرجال.

ومؤخرا، صدرت إحدى الدراسات لمؤسسة "إدراك" للتنمية والمساواة، جمعية أهلية، التي ترصد جرائم العنف ضد النساء لعام 2021، وكشفت عن ارتفاع ملحوظ في جرائم العنف مدفوعة بتزايد العنف المنزلي.

وبحسب الدراسة التي أعدتها مؤسسة "إدراك"، تم تسجيل 813 جريمة عنف خلال 2021، مقارنة بـ415 جريمة في 2020، حيث رُصدت 296 حالة قتل لنساء وفتيات في مختلف الأعمار، و78 حالة شروع في القتل، و54 اغتصابا، و74 جريمة ضرب، منها 49 جريمة ضرب من قبل فرد من أفراد الأسرة، و125 جريمة تحرش جنسي، و100 حالة انتحار، وذكرت المصادر صراحة أن غالبيتهن انتحرن بسبب عنف ومشاكل أسرية وابتزاز جنسي وتعنيف على التحصيل الدراسي.

وأُعِدت الدراسة بناء على تحليل الأخبار المنشورة لـ9 مواقع صحفية مصرية، في فترة زمنية تراوحت بين 1 يناير 2021 إلى 1 ديسمبر 2021. ولاحظ العاملون على الدراسة أن جرائم الشروع في القتل المرصودة كانت دوافعها ما يسمى بـ"جرائم الشرف أو الشك في السلوك، والرغبة في الاستيلاء على الميراث، ورفض الزواج من شريك غير مقبول، والسرقة".

لماذا تتراجع النساء عن المسار القانوني؟

وطرح مركز "تدوين" لدراسات النوع الاجتماعي، عدة تساؤلات من خلال رصد المواد التي قرر المشرع المصري تغليظها في الفترات الأخيرة؛ رغبة في ردع جرائم العنف والحد منها، جاء في ذلك الرصد "تثير التعديلات المقترحة، خاصة في حالات تحويل الجنحة إلى جناية، وتشديد عقوبة الحبس إلى السجن في حالات التحرش والعنف الجنسي، تساؤلا، وهو (هل التعديلات ذات تأثير إيجابي على مكافحة هذه النوعيات من الجرائم أم لها وجه آخر؟)".

وتقول الدكتورة أمل فهمي، مدير مركز "تدوين": "في حقيقة الأمر، لا أحد ينكر خطورة جريمة التحرش الجنسي وسلوكيات العنف وأهمية مواجهتها بقوانين صارمة، لتؤدي العقوبة دورها الأساسي كوسيلة ردع للمجرم، وعام للمجتمع بأسره، لكن هذا التشديد له وجوه أخرى قد تؤثر بالسلب على الجريمة، على سبيل المثال، في حالة تشديد العقوبة تجاه جريمة التحرش، هذا سيزيد من الضغوط والتهديدات التي ستواجه الناجية أو الشهود، سواء من المتهم أو ذويه الذين سيكون نصب أعينهم شدة العقوبة التي ستقع على المتهم؛ لتكون دافعا لمزيد من الضغط والترهيب، بالإضافة إلى إطالة أمد التقاضي أمام محاكم الجنايات مقارنة بمحاكم الجنح؛ بسبب تعقيد إجراءات الأولى، ووجود مرحلة أطول للتقاضي، وهي مرحلة الطعن بالنقض أمام محكمة النقض".

وفي تقرير أعده المركز، سرد فيه الصعوبات التي سيؤدي لها تغليظ العقوبة، ذُكر أن التغليظ سيؤدي إلى صعوبة الادعاء بالحق المدني أمام محكمة الجنايات، بخلاف سهولته أمام محكمة الجنح، وهو ما قد يمثل حجر عثرة أمام منظمات المجتمع المدني وأصحاب المصالح، كما قد يؤدي هذا التشديد في العقوبة إلى صعوبة الإثبات، وتلمس جهات التحقيق والتقاضي لأسباب البراءة أو الإفراط في استخدام المادة 17 المخففة؛ نظرا لعدم قناعة القائمين على المنظومة أن العقاب يتناسب مع الجرم المرتكب.

وتنص المادة 17 من قانون العقوبات على أنه "يجوز فى مواد الجنايات، إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية، رأفة القضاة تبديل العقوبة وفق ما يقره القانون".

في نفس السياق، قالت المحامية نسمة الخطيب، مدير مبادرة "سند" للدعم القانوني، متحدثة عن حالات واقعية تراجعت عن استكمال المسار القانوني: "نحن كمحامين لا نرى أن تغليظ العقوبات مفيد بقدر حاجتنا لتطبيق القانون ذاته، لدينا إشكاليات كثيرة في التنفيذ والإجراءات القانونية، من أول دخول الضحية إلى القسم لتقديم البلاغ، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، توفير أماكن آمنة للفتيات، ونحن لدينا 8 مراكز إيداع فقط، منها واحد في القاهرة، ويوجد كثير من الحالات تتراجع لأن ليس لديهم مكان إقامة بعيد عن المتهم -شخص من العائلة- وهناك حالات أخرى تتراجع بسبب استخدام أساليب ملتوية ضدها للضغط عليهن، مثل وضع بعض الآباء لبناتهن في مصحات نفسية والتشكيك في قواهن العقلية بعد تقديم بلاغ ضده".

وأضافت: "اتعامل مع كثير من الحالات، التي أتفاجأ فيها من تصرفات المتهمين -أحد أفراد العائلة- على سبيل المثال، حالة أب اتهم صديقة ابنته التي ساعدتها وأقامت لديها لمدة يومين، بقتل ابنته وإخفاء جثتها، وفي حالة أخرى تعاملت معها كانت تقع تحت بند اغتصاب محارم -أخ لأخته- بعد وصولنا إلى قسم الشرطة، تراجعت الفتاة ولم تستطع استكمال الإجراءات القانونية بسبب ضغط الأم عليها؛ لذلك تمثل ضغوط العائلة نفسها ركنا أساسيا في تراجع الفتيات".

وأكملت: "هناك قضايا عنف جنسي تراجعت الفتيات فيها بسبب حفظ النيابة للتحقيقات، كان لدي حالة فتاة اضطرت للتراجع بعد حفظ النيابة لقضيتها؛ نتيجة لأنها استنزفت ماديا لكي تصل بالقضية إلى مرحلة النيابة، وبعد إحباطها قررت عدم الاستمرار".

وأكملت: "ومن الحالات الحديثة التي واجهتها في شهر يناير 2022، فتاة تعرضت للضرب وكسر ساقها من أهلها الذكور، وبعد تقدمي ببلاغ وتواصلي مع إدارة العنف، وبعد 4 دوريات في سوهاج، تراجعت الفتاة عن البلاغ ونفت تعرضها للعنف، رغم وضوح أثر كسر الساق عليها، لكنها تعرضت لتهديدات من أهلها، بل وحاول الأهل تقديم بلاغ ضدي، لكن الجهات الأمنية ثبت لها أن موقفي قانوني وإجراءات حدثت بعد طلب الفتاة النجدة، وهناك حالة أخرى تقدم والدها ببلاغ أنني أدير (شبكة دعارة) وابنته تعمل معي، وبالفعل تم الكشف عن عذريتها، وبعد ثبوتها أغلقت القضية".

أما عن الزوجات المعرضات للعنف، أوضحت: "لدي الكثير من قضايا لزوجات تعرضن للضرب على يد الزوج، لكنهن تراجعن بعد دخول مرحلة الضغوط العائلية والجلسات العرفية بين الأهل، التي تصل في النهاية للتصالح، ويوجد سيدات تراجعن حماية لأولادهن كما يعتقدن، وأخرى تراجعن بسبب التهديدات".

وفي هذا السياق، نتعرف على حالتين تواصلنا معهما لعرض تجربتهما الخاصة مع العنف الزوجي، لكنهما رفضا ذكر أسماءهما، الأولى سيدة في نهاية عقدها الثالث، ومقيمة في القاهرة، لديها ولدين، قالت إنها تعرضت مرات كثيرة للضرب على يد زوجها، وعنف متكرر ترك بصماته على جسدها، لكنها لم تكن تتخذ أي خطوة تجاهه بسبب ضغط عائلتها، لكن في إحدى المرات لم تستطع تحمل ما يفعله بها، وقررت التوجه إلى قسم الشرطة وتقديم بلاغ، واستكملت بعض الإجراءات، لكنها واجهت عاصفة حادة من الرفض، ووصل الحال إلى أنها تعرضت للمقاطعة من أخوتها ووالدتها.

وبعد أن تحول المحضر إلى قضية، تنازلت عن حقها نتيجة ضغط أهلها الشديد وخوفها من المجتمع الذي يقول: "عيب الست تعمل محضر، هتسجني جوزك يعني؟ شكل أولادك الاجتماعي بعد ما أبوهم يتحبس إيه؟"، وغيرها من الجمل التي كانت تمطر عليها من كل حدب وصوب؛ مما جعلها تتراجع.

أما الحالة الثانية، من مدينة الإسماعيلية، في بداية العقد الرابع من عمرها، تعرضت للضرب على يد زوجها، بعد زواج دام 17 عاما، وقالت: "كانت أول وآخر مرة، صورت الكدمات على جسمي لكي لا أتراجع عن قراري، وصممت على موقفي رغم رفض أهلي للطلاق ومحاربتهم لي، لم أتقدم ببلاغ لأنها كانت المرة الأولى، ولأن أولادي في سن لا يسمح بأن أفعل هذا؛ لذلك لجأت لمجلس العيلة كخطوة أولى، وإن لم تأت بثمارها كنت سألجأ للقانون بالتأكيد. وبالفعل، وقع الطلاق وبعده استدعيت الشرطة نتيجة لتعرضه لي عند المنزل، وحررت محضرا بعدم التعدي".