الأحد 28 أبريل 2024 05:59 مـ 19 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: حوار الدم والنار فى رفح

أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

لا شك أن الأحداث تتطور تطورًا سريعًا ودراماتيكيًا، وأن حوار الدم والنار فى رفح على الحدود المصرية يعتبر كارثة عسكرية وإنسانية لقرابة مليون ونصف المليون مواطن فلسطينى أصبحوا وقودًا لمجرمى الحرب نتنياهو وبايدن، حيث ما زال الثانى يساند الأول ويدعمه بالأسلحة التى تقتل الشعب الغزاوى، وأعتقد أن ما يجرى من تصريحات لبايدن يصفها البعض بأنها نقد نتنياهو هو تمثيلية دبلوماسية أمام العالم، وأن هناك موافقة ضمنية من الرئيس بايدن مجرم الحرب الحقيقى الذى زوّد إسرائيل بكل الأسلحة والقنابل التى تقتل أهلنا فى غزة وفى الضفة، بالمخالفة لكل الأعراف والتقاليد القانونية والإنسانية، بل وبالمخالفة لقرارات محكمة العدل الدولية الأخيرة، والتى تؤكد أن كل من يقدم المساعدة للاحتلال الإسرائيلى شريك معه فى جرائمه.

القضية الآن ونحن فى سباق مع الزمن، ماذا لو وصل أهل غزة إلى الحدود الشرقية لمصر فى سيناء؟! لأن نتنياهو وبن غفير وسموتريتش يريدون تحقيق نصر معنوى على حساب مصر، يصدرون به الأزمة للجيش المصرى العظيم خير أجناد الأرض، لأنهم يعلمون أن جيش مصر لا يمكن بحال من الأحوال أن يرفع السلاح المصرى فى وجه الأشقاء مهما كانت التحديات، ولكن قضية مصر الأساسية هو ما حذرت منه القيادة السياسية أننا لن نسمح بتهجير الفلسطينيين أو تصفية القضية تحت أى مسمى، وأن محاولة جيش الاحتلال أن يحتل الشريط الحديدى فى طريق النصر فيلادلفيا بالمخالفة لاتفاقية السلام عام 1979 واتفاقيات المعابر 2005 ستقابل بكل حزم وقوة، وأنه لا يوجد تنسيق أمنى مع الإسرائيليين.

أعتقد أن الاجتياح المتوقع لرفح الفلسطينية سيكتب بداية نهاية الاحتلال الإسرائيلى، الذى ضرب بكل المواثيق والقوانين عرض الحائط، بل وصل به الأمر أنه يعتبر نفسه ليس فوق القانون فقط، ولكنه فوق إرادة العالم بأسره، مدعومًا بالفيتو والسلاح الأمريكى، وكما قلت سابقًا (إن وعد بايدن أخطر من وعد بلفور)، لأنه يسمح بحذف غزة من الخريطة، وأن تكون تحت الوصاية الإسرائيلية، وأن الرحلات المكوكية لـ"بلينكن" وهو اليهودى الشريك فى إطلاق الطلقة الأولى على شمال غزة والطلقة الأخيرة على أهلنا فى رفح، ورغم كل ما يقال أن الإدارة الأمريكية نتيجة ضغط الشعب والمؤسسات الأمريكية ستعترف بفلسطين كدولة مستقلة ذات السيادة، فإننى أعتقد أن هذا ضرب من الوهم والخيال، لأنهم لم يقدروا على إيقاف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية لأهلنا فى رفح، الذين يمثلون مليونًا ونصف المليون مواطن بين السماء والأرض يتعرضون لأسوأ كارثة إنسانية فى تاريخ البشرية.

أعتقد أن التاريخ سيقف بإجلال أمام ما فعلته دوله جنوب إفريقيا من استدعاء لكل من ساعد الاحتلال الإسرائيلى بالسلاح والمال أمام قضاة محكمة العدل الدولية، ليكون الاتهام واضحًا لهؤلاء الذين عبثوا بالبشرية وبالإنسانية، ومنع الدواء والماء والغذاء، بل لو كانوا يستطيعون لمنعوا الأكسجين والهواء عن الشعب الفلسطينى.

أما التحرك الأوروبى من فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا مع الشيطان الأكبر أمريكا فهو بالنسبة لى تحصيل حاصل لعدم توافر الإرادة الحقيقية لوقف الحرب التى تعدت أكثر من 130 يومًا، وهذه هى الجريمة الكبرى التى فاقت نكبة 1948 والحرب العالمية الثانية، وما حدث فى هيروشيما ونجازاكى فى اليابان، أمام الصمت الدولى والعربى والإسلامى، والسكوت عن هذه المجازر الإسرائيلية التى لن يوقفها إلا استخدام القوة فقط.

فالمقاومة الفلسطينية أسقطت أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، معتمدة على نفسها فقط ولم يدعمها أحد من الدول العربية أو الإسلامية، ولكن قدر مصر أن تواجه هذه الأزمات على حدودها فى وقت عصيب وتحدٍ سافر.

والسؤال: ماذا لو حدثت المواجهة العسكرية التى يتوقعها الشعب المصرى والعربى بين مصر وإسرائيل، بل وينتظرها البعض بفارغ الصبر؟! أعتقد أن تدخل الجيش المصرى أيًا ما كانت التداعيات هو رسالة لإسرائيل وكل مَن تجاوز فى حق مصر سواء فى موضوع سد النهضة أو فى أى قضية إقليمية، أن مصر لاعب عربى رئيسى يمتلك من الأدوات ومن القوة الكثير رغم الصبر الطويل والنفس الطويل بعدم الرد على بعض تجاوزات جيش الاحتلال، ولكن القضية تختلف إذا دخلت إسرائيل ضاربة بالمعاهدات والاتفاقيات عرض الحائط فى مواجهة على حدودنا فى سيناء.

وأعتقد أن التحضيرات والرسائل ووصول مدير المخابرات الأمريكية إلى القاهرة هدفه منع اشتعال المنطقة وتحويلها إلى صراع إقليمى حقيقى، بعد أن نفد صبر مصر فى مواجهة الألاعيب الدولية والآراء المتطرفة الإسرائيلية، خاصة بعد أكاذيب ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق، بأن مصر شريك مع حماس فى أحداث 7 أكتوبر الماضى، وأنها كانت على علم بتحركات حماس، ومسؤولة عن تهريب الأسلحة، وكلها ألاعيب غرضها محاولات نقل معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم، وإغلاق معبر رفح، وهو ضرب من الخيال، لأنه تدخل سافر فى السيادة المصرية وأراضيها، وأعتقد أن الجيش المصرى - بقرار من القيادة السياسية - لن يصبر كثيرًا، لأن الموضوع وصل إلى ذروته بمحاولات – ترانسفير- أو بمعنى أدق نقل وتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار وخاصة مصر، وهو أمر لن يحدث على الإطلاق لسبب بسيط أن الفلسطينيين استفادوا من تجربة نكبة 1948 ولن يتركوا أرضهم، وكما قالت السيدة العجوز (إما الأرض أو القبر).

نحن نرى أن الموقف حساس ومهم جدًا، ولن يتم علاجه بالانفعالات أو العواطف، ولكن من خلال تقدير المواقف، لأن الحل إذا لم يكن دبلوماسيًا أو سياسيًا سيكون عسكريًا، فحوار الدم والنار على حدودنا يمثل أمنًا قوميًا للمواطن المصرى، وأعتقد أنها ستكون لعبة النار والمواجهة العسكرية، وهى الرد الحقيقى على جبروت الاحتلال الإسرائيلى، ومجرمى الحرب الثلاثة نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، لأنهم ليسوا مجرمى حرب فقط ولكنهم تجاوزوا الإنسانية والبشرية فى تحدٍ صارخ لشعوب العالم التى لا تملك إلا التنديد بهذا الموقف الإجرامى للكيان الصهيونى.

وأعتقد أن الدولة المصرية هى الدولة الوحيدة فى المنطقة القادرة على إيقاف هذا التمدد الشيطانى الإسرائيلى، بجيشها العظيم وشعبها الأبى.